الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة «شريفة وعفيفة»: كوميدياء سوداء تفضح من الألف الى الياء تجارة مقنّعة بمشاكل المرأة

نشر في  21 ماي 2014  (11:29)

«شريفة وعفيفة» امرأتان تلتقيان صدفة في مركز الشرطة يوم اضراب الأمنيين.. تجدان نفسهما وجها لوجه.. تتحدّثان ترويان فالمشكل واحد بالنسبة اليهما.. رجل وعد وأخلف.. تسخر كلاهما من واقعها فتروي احداهما رحلتها مع نواب المجلس التأسيسي ولجان ما بعد الثورة..وتروي الأخرى ضياعها بين تلفزيون الواقع وشبكات الفساد بالبلاد من الجمعيات الى المشائخ التي تتاجر بهموم العباد..
هو ملخّص مسرحية «شريفة وعفيفة» التي كتب نصّها نوفل سعّاف وأخرجها منير العرقي أما مديرة  الانتاج فهي سيماء بيوض.. والبطولة لكل من منال عبد القوي وحنان الشقراني...
من الحديث عن الاغتصاب الى تقسيم الشعب التونسي
شريفة (منال عبد القوي) امرأة من المدينة تتعرّض الى الاغتصاب من قبل رجل الأمن «صالح»، تنطلق في سرد رحلتها في البحث عن  صالح انطلاقا من المجلس التأسيسي، حيث التقت بنائبتين الأولى يسارية والتي تريد استغلال مشكلتها لتأليب الرأي العام والقيام بمظاهرات واعتصامات، والثانية يمينية تدعوها الى كتم سرّها وعدم فضح نفسها وبين اليمين واليسار تتوه شريفة، فكلتا النائبتين تريد استغلال مشكلتها والمتاجرة بها ومن خلال النائبتين تتطرق منال عبد القوي بطريقة لا تخلو من سخرية الى الصراع بين اليمين واليسار في رحاب المجلس التأسيسي ومنه الى الصراع الايديولوجي بين المحجّبات والسّافرات وبين المحافظات والمتحرّرات، هذه الانقسامات التي عاشها ومازال يعيشها الشعب التونسي ما بعد الثورة والتي  تبحث من خلالها بعض الجهات السياسية الى تقسيم الشعب التونسي بين يمين ويسار.. وتواصل شريفة سرد قصّتها بالتطرّق إلى على تصرّفات المجتمع المدني والجمعيات النسائيّة التي استغلّت بدورها مشكلتها..
برامج تلفزيون الواقع والمتاجرة بآلام الآخرين
أمّا عفيفة (حنان الشقراني) فتروي هي الأخرى قصّة اغتصابها من قبل صالح، من خلال تصريحها في برامج تلفزيون الواقع التي تستغلّ بدورها مآسي المواطنين لتحقيق الضجّة الإعلاميّة ومن خلال الإعلاميين «ضياء» والذي ترمز به الى علاءالشابي و«عبد الحليم» رمزا لعبد الرزاق الشابي تسخر حنان الشقراني من نوعية هذه البرامج التي لا همّ لها سوى تحقيق أعلى نسب مشاهدة حتى على حساب آلام الآخرين، ومن هذه البرامج تنتقل الى الحديث عن جهاد النّكاح وكيف تستغلّ بعض الشبكات باسم الدين والجهاد الفتيات لارسالهم الى هذا النوع من الجهاد.
وتتطرّق المسرحية  كذلك الى ظاهرة «الرقيق الأبيض» في دول الخليج واستغلال بعض الفتيات للمتاجرة بأجسادهنّ هناك.. ولا يتوقّف الاستغلال عند هذا الحدّ بل تعالج المسرحيّة كذلك كيف تجابه المرأة استغلال رؤساء عملها للنيل من شرفها مقابل التشغيل..
..وانتصر رجال الأمن
«شريفة وعفيفة» هي كوميديا سوداء تتطرق الى وضعية المرأة في المجتمع التونسي حيث تتعرّض رغم المكاسب والحقوق التي تتمتّع بها الى الاستغلال والمتاجرة بمشاكلها.. أما محور الاغتصاب الذي يمثل العمود الفقري لهذا العمل المسرحي فلا يتمثّل في الاغتصاب الجسدي فحسب بل كذلك الاجتماعي والسياسي والقانوني والأخلاقي.. وكيف تجد المرأة المغتصبة نفسها أمام عديد العراقيل أولها العائليّة وثانيها عقلية المجتمع التي لا تتقبل الضحية بل تعاملها كمتّهمة..
ولئن انتهت المسرحية بنصرة رجال الأمن، حيث تبين في النهاية ان شريفة لم تكن تبحث عن صالح للانتقام بل لتتبرّع له بدمها بعد اصابته اثناء أداء واجبه الوطني، فانّ «شريفة وعفيفة» انتقدتا بطريقة كوميديّة كل الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في المجتمع بعد الثورة وعالجتا مواضيع تراجيدية بطريقة كوميدية.
هفوات

بقي ان نشير الى انه كان بالامكان  ان يقع اختزال بعض المشاهد حتى لا يتسلّل الملل الى الجمهور، على غرار المشهد الذي يحوم حول احدى الجمعيات النسائية والذي لاحظنا  من خلاله انّ نسق المسرحيّة  تراجع جدا فيه بعد ان تمكنت كل من حنان ومنال من شدّ الجمهور في المشاهد السابقة. ومن الملاحظات الأخرى التي يجب الإشارة اليها هي المراوحة بين الشخصيتين، فان أكّد العرفي انّ الشخصيتان متماهيتان أي امرأتان في واحد، كان حريا به الفصل بينهما في بعض المشاهد حتى لا يقع التشويش على ذهن المشاهد..
وهنا نتساءل عن السرّ الذي دفع بالعرقي الى عدم جمع الممثلتين في اكثر من مشهد حتى خلنا انفسنا امام مسرحية من نوع «الوان مان شو» كما انّ المواقف التي جمعت الممثلتان قصيرة جدا..
من جهة اخرى، ولئن  لاحظنا الكاريزما العالية لكل من حنان ومنال ومحافظة كل واحدة منهما على نسق المسرحية من البداية الى نهاية العمل فاننا ندعو الممثلتان الى مزيد العمل على أصوات الشخصيات وكيفية الانتقال من شخصية الى أخرى.. كما انّه وقع قمع الشخصيتين الرئيستين على حساب بقية الشخصيات..
آخر ملاحظة نوجهها للعرقي بخصوص المؤثّرات الركحيّة كالإضاءة والموسيقى  حيث لمحنا نقصا يجب تداركه لأهمية هذه المؤثّرات في شدّ انتباه المشاهد.

سناء الماجري